ورابعها: أن الحديث يقتضي أنه سأله عما به يقضي، بعد أن نصبه للقضاء، وذلك لا يجوز؛ لأن جواز نصبه للقضاء مشروط بصلاحيته للقضاء، وهذه الصلاحية إنما تثبت لو ثبت كونه عالمًا بالشيء الذي يجب أن يقضي به، والشيء الذي لا يجب أن يقضي به.
وخامسها: أن مقتضى الحديث: أنه لا يجوز الاجتهاد إلا عند عدم وجدان الكتاب والسنة؛ وهو باطلٌ؛ لأن تخصيص الكتاب والسنة بالقياس جائز.
الوجه الثاني في بيان ضعف الحديث:
روى أن معاذًا لما قال: (أجتهد رأيى) قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (اكتب إلىَّ، أكتب إليك) وليس لأحد أن يقول: إنا نصحح الروايتين؛ لأنهما نقلا في واقعة واحدة، فإنه لا يمكن الجمع بينهما.
سلمنا سلامة المتن عن هذه المطاعن؛ لكن لا نزاع بين المحدثين في كونه مرسلاً، والمرسل ليس بحجة؛ على ما تقدم بيانه.
سلمنا: أنه ليس بمرسل؛ ولكنه ورد في إثبات القياس والاجتهاد، وإنه أصل عظيم في الشرع، والدواعي تكون متوفرة على نقل ما هذا شأنه، وما يكون كذلك، وجب بلوغه في الاشتهار إلى حد التواتر، فلما لم يكن كذلك، علمنا أنه ليس بحجة.
والحاصل أنه مرسلٌ؛ فوجب ألا يكون حجة عند الشافعي رضي الله عنه.
وأنه خبر وارد فيما تعم به البلوى، فوجب ألا يكون حجة عند أبي حنيفة.
سلمنا سلامته عن هذا الأمر، لكنه خبر واحد؛ فلا يجوز التمسك به في المسائل القطعية.