وأما المجتهد؛ فإن كان خبر الواحد حجة عليه، فهو المطلوب، وإن لم يكن دليلًا، لم يحب عليه التوقف؛ لانعقاد الإجماع على أن الذي لا يكون دليلًا لا يمنعه عن فعل ما ثبت له جواز فعله؛ بدليل متقدم.
المسلك الثاني: لو وجب في خبر الواحد ألا يقبل، لما كان كون خبر الفاسق غير مقبول معللًا بكونه فاسقًا؛ لكنه معلل به؛ فلم يجب في خبر الواحد ألا يقبل؛ فإذا لم يجب ألا يقبل جاز قبوله في الجملة؛ وهو المقصود.
بيان الملازمة: أن كون الراوي الواحد واحدًا أمر لازم لشخصه المعين، يمنع خلوه عنه عقلًا.
وأما كونه فاسقًا: فهو وصف عرضي يطرأ ويزول؛ وإذا اجتمع في المحل وصفان أحدهما لازم، والآخر عرضي مفارق، وكان كل واحد منهما مستقلًا باقتضاء الحكم-كان الحكم؛ لا محالة، مضافًا إلى اللازم؛ لأنه كان حاصلًا قبل حصول المفارق، وموجبًا لذلك الحكم، وحين جاء المفارق، كان ذلك الحكم حاصلًا بسبب ذلك اللازم، وتحصيل الحاصل مرة أخرى محال، فيستحيل إسناد ذلك الحكم إلى ذلك المفارق.
مثاله: يستحيل أن يقال: الميت لا يكتب؛ لعدم الدواة والقلم عنده؛ لأن الموت، لما كان وصفًا لازمًا مستقلًا بامتناع صدور الكتابة عنه، لم يجز تعليل امتناع الكتابة بالوصف العرضي، وهو عدم الدواة، والقلم.
وإنما قلنا: إنه معلل به؛ لقوله تعالى: {يأيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ، فتبينوا} [الحجرات: 6] أمر بالتثبت؛ مرتبًا على كونه فاسقًا، والحكم المرتب على الوصف المشتف المناسب، يقتضى كونه معللًا بما منه الاشتقاق،