الثاني: أنه تعالى أوجب على كل فرقة: أن تخرج منها طائفة للتفقه، ولو كان كل ثلاثة فرقة، لوجب أن يخرج من كل ثلاثة واحد؛ وذلك باطل بالاتفاق.
سلمنا أن (الطائفة) اسم لعدد لا يفيد قولهم العلم؛ فلم قلت: إنه يقتضى وجوب الحذر بقول عدد لا يفيد قولهم العلم؟.
بيانه: (أن الطائفة) عندكم اسم للواحد، أو الاثنين، وقوله: {ولينذروا قومهم} [التوبة: 122] ضمير جمع، وأقل الجمع ثلاثة؛ على ما تقدم، فإذن: قوله: {ولينذروا} ليس عائدًا إلى كل واحد من تلك الطوائف؛ بل إلى مجموعها؛ فلم قلت: إن مجموع تلك الطوائف ما بلغوا حد التواتر؟.
سلمنا أن الآية تقتضى وجوب الحذر عند خبر من لا يفيد قولهم العلم فلم قلت: إنها تقتضى وجوب العمل بذلك الخبر؟ فإنا إنما نوجب عليهم ذلك الترك للاحتياط؛ حتى إنه لو كان عاميًا وجب عليه الرجوع إلى المفتى، فإن أذن له، جاز له العود إليه، وإن كان مجتهدًا، نظر في سائر الأدلة، فإن وجد فيها ما يقتضى المنع من ذلك الفعل، امتنع منه، وإلا جاز له العود إليه.
والجواب: قوله: (لم قلت: إنه يفيد وجوب الحذر؟):
قلنا: لثلاثة أوجه:
الأول: أنه لا يجوز حمله على ظاهره؛ فوجب حمله على الأمر به.
قوله: (لم قلت: ليس هاهنا مجاز آخر؟):
قلت: لأن الأصل عدم المجاز؛ فإذا وجد هذا المجاز الواحد، فالظاهر عدم سائر المجازات.