إلا أنها لما لم تكن متعينًة لظواهرها، بل كان فيها احتمال لغير تلك الظواهر الباطلة، لا جرم كان القطع بذلك تقصيرًا من المكلف، لا تلبيسًا من الله تعالى.
وعن الثاني: أنا لو ساعدنا على أنه لابد لله تعالى في كل فعل من غرض معين؛ لكن لم قلت: إنه لا غرض من تلك الظواهر، إلا فهم معانيها الظاهرة؟ أليس أنه ليس الغرض من إنزال المتشابهات فهم ظواهرها؛ بل الغرض من إنزالها أمور أخرى؛ فلم لا يجوز أن يكون الأمر هاهنا كذلك؟
فإن قلت: (جواز إنزال المتشابهات مشروط بأن يكون الدليل قائمًا على امتناع ما أشعر به ظاهر اللفظ، فما لم يتحقق هذا الشرط، لم يكن إنزال المتشابهات جائزًا):
قلت: لا شك أن إنزال المتشابه غير مشروط بأن يكون الدليل المبطل للظاهر معلومًا للسامع، بل هو مشروط بأن يكون ذلك الدليل موجودًا في نفسه، سواء علمه السامع لذلك المتشابه، أو لم يعلمه.
وإذا كان كذلك، فما لم يعلم السامع أنه ليس في نفس الأمر دليل مبطل لذلك الظاهر، لا يمكنه إجراؤه على ظاهره.
ثم لا يكفي في العلم بعدم الدليل العقلي المبطل للظاهر- عدم العلم بهذا الدليل المبطل؛ لأنا بينا في الكتب الكلامية: أنه لا يلزم من عدم العلم بالشيء العلم بعدم الشيء.
إذا كان كذلك، فلا ظاهر نسمعه إلا ويجوز أن يكون هناك دليل عقلي، أو نقلى يمنع من حمله على ظاهره، وإذا كان هذا التجويز قائمًا، لم يقع الوثوق بشيء من الظواهر؛ على مذهب المعتزلة ألبتة.