ولما بينا ضعف هذه الطرق، فالذي نعول علية في المسألة: أن الصادق أكمل من الكاذب، والعلم به ضروري، فلو كان الله- تعالى جده، وتقدست أسماؤه- كاذبًا، لكان الواحد منا حال كونه صادقًا أكمل وأفضل من الله تعالى، وذلك معلوم البطلان بالضرورة؛ فوجب القطع بكون الله تعالى صادقًا، وهو المطلوب.
الرابع: خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال الغزالي، رحمه الله: دليل صدقه دلالة المعجزة على صدقه، مع استحالة ظهور على يد الكذابين؛ لأن ذلك لو كان ممكنًا، لعجز الله تعالى عن تصديق رسله.
ولقائل أن يقول: إذا كان يلزم من اقتدار الله تعالى على إظهار المعجز على يد الكاذب- عجزه تعالى عن تصديق الرسول- فكذا يلزم من الحكم بعدم اقتداره عليه- عجزه؛ فلم كان نفى أحد العجزين عنه أولى من الآخر؟.
وأيضًا: إذا فرضنا أن الله تعالى قادر على إقامة المعجزة على يد الكاذب، فمع هذا الفرض: إما أن يكون تصديق الرسول ممكنًا، أو لا يكون: فإن أمكن، بطل قوله: إنه يلزم من قدرة الله تعالى على إظهار المعجز على يد الكاذب- عجزه عن تصديق الرسول.
وإن لم يكن ذلك ممكنًا، لم يلزم العجز؛ لأن العجز إنما يتحقق عما يصح أن يكون مقدورًا في نفسه؛ ألا ترى أن الله لا يوصف بالعجز عن خلق نفسه.
وأيضًا: فإذا استحال يقدر الله تعالى على تصديق رسله، إلا إذا استحال منه إظهار المعجزة على يد الكاذب، وجب أن ينظر أولًا: أن ذلك، هل هو محال، أم لا؟ وألا يستدل باقتداره على تصديق الرسل على عدم قدرته على إظهاره على يد الكاذب؛ لأن ذلك تصحيح الأصل بالفرع؛ وهو دور.