وأيضًا: يقال: لم قلت: إن الكلام القائم بذاته تعالى صدق؟
قوله: (لأنه تعالى ليس بجاهل, ومن لا يكون جاهلًا، استحال أن يخبر بالكلام النفساني خبرًا كاذبًا):
قلنا: هذه القضية غير بديهية؛ فما البرهان؟
وأما المعتزلة, فهم ظنوا: أن هذا البحث ظاهر على قواعدهم؛ فقالوا: (الكذب قبيح, والله تعالى لا يفعل القبيح):
والاعتراض أن نقول: إن البحث عن أن الله تعالى لا يصح علية الكذب يجب أن يكون مسبوقًا بالبحث عن ماهية الكذب؛ لأن التصديق مسبوق بالتصور؛ فنقول: إما أن يكون المراد من الكذب الكلام الذي لا يكون مطابقًا للمخبر عنه في الظاهر، سواء كان بحيث لو أضمر فيه زيادة، أو نقصان، أو تغيير، صح.
وإما أن يكون المراد منه الكلام الذي لا يكون مطابقًا للمخبر عنه في الظاهر، ولا يمكن أن يضمر فيه ما عنده يصير مطابقًا.
فإن أردتم بالكذب: المعنى الأول، لم يمكنكم أن تحكموا بقبحه، وبأنه لا يجوز ذلك على الله تعالى؛ لأن أكثر العمومات في كتاب الله مخصوص، وإذا كان كذلك، لم يكن ظاهر العموم مطابقًا للمخبر عنه.
وكذا الحذف والإضمار واقعان باتفاق أهل الإسلام في كتاب الله تعالى حتى إنه حاصل في أوله؛ فإن الناس اختلفوا في معنى: {بسم الله الرحمن الرحيم} فمنهم من قدم المضمر، وهو الأمر، أو الخبر، ومنهم من أخره، وكذا {الحمد لله رب العالمين} قالوا: معناه: قولوا: (الحمد لله)، فالإضمار متفق عليه.