فإن قلت: لا نسلم أن دلالة تصديق الله تعالى للرسول على كونه صادقًا يتوقف على العلم بكون الله تعالى صادقًا؛ لأن قوله للشخص المعين: (أنت رسولي) جار مجرى قول الرجل لغيره: (أنت وكيلي) فإن هذه الصيغة، وإن كانت إخبارًا في الأصل؛ لكنها إنشاء في المعنى، والإنشاء لا يتطرق إليه التصديق والتكذيب.

وإذا كان كذلك، فقول الله تعالى للرجل المعين: (أنت رسولي) يدل على رسالته، سواء قدر أن الله تعالى صادق، أو لم يقدر ذلك. وعلى هذا ينقطع الدور.

قلت: هب أن قوله في حق الرسول المعين: (إنه رسولي) إنشاء ليس يحتمل الصدق والكذب؛ لكن الإنشاء تأثيره في الأحكام الوضعية، لا في الأمور الحقيقة، وإذا كان كذلك، لم يلزم من قول الله تعالى له: (أنت رسولي) أن يكون الرسول صادقًا في كل ما يقول؛ لأن كون ذلك الرجل صادقًا أمر حقيقي، والأمور الحقيقة لا تختلف باختلاف الجعل الشرعي.

فإذن: لا طريق إلى معرفة كون الرسول صادقًا فيما يخبر عنه، إلا من قبل كون الله تعالى صادقًا؛ وحينئذ يلزم الدور.

وعلى الثاني: أن البحث في أصول الفقه غير متعلق بالكلام القائم بذات الله تعالى، الذي ليس بحرف، ولا صوت، بل عن الكلام المسموع الذي هو الأصوات المقطعة؛ وإذا كان كذلك، لم يلزم من كون الكلام القائم بذاته تعالى صدقًا- كون هذا المسموع صدقًا؛ فعلمنا أن هذه الحجة مغالطة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015