شرعه حجة إلى زمان ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه باطل باتفاق المسلمين، وهاهنا وجوه أخر من المعارضات مذكورة في (كتاب النهاية) فهذا تمام الاعتراضات.
وأعلم أن بعض هذه الأسئلة والمعارضات، لا شك أن فسادها أظهر من صحتها؛ لكن ذلك إنما يكفي في إدعاء الظن القوي: لا في إدعاء اليقين التام، وكان غرضنا من الإطناب في هذه الأسئلة أن الذي قاله أبو الحسين؛ من أن الاستدلال بخبر التواتر على صدق المخبرين- أمر سهل هين مقرر في عقول البله والصبيان- ليس بصواب؛ بل لما فتحنا باب المناظرة، دق الكلام، ولا يتم المقصود إلا بالجواب القاطع عن كل هذه الإشكالات، وذلك لو أمكن، فإنما يمكن بعد تدقيقات في النظر عظيمة؛ ومن البين لكل عاقل: أن علمه بوجود مكة، ومحمد صلى الله عليه وسلم أظهر من علمه بصحة هذه الدلالة، وإبطال ما فيها من الأقسام سوى القسم المطلوب؛ وبناء الواضح على الخفي غير جائز؛ فظهر أن الحق ما ذهبنا إليه من أن هذا العلم ضروري؛ وحينئذ لا نحتاج إلى الخوض في الجواب عن هذه الأسئلة؛ لأن التشكيك في الضروريات لا يستحق الجواب.
المسألة الرابعة
قال القرافي: قوله: (استدل أبو الحسن على صدق التواتر بقوله: يستحيل أن يكون الكذب لا لغرض ومرجح، وإلا لزم الترجيح من غير مرجح):
قلنا: قولكم: (لغرض ومرجح) إن أردتم الجمع بين الأمرين، وأن الغرض غير المرجح، فلا يلزم من عدم مجموعهما الترجيح من غير مرجح؛ لجواز ثبوت أحدهما، فيكون هو المرجح، وإن أردتم أن الثاني هو عين