فإن قلت: شرط التواتر استواء الطرفين والواسطة؛ وهو غير حاصل في هذه الفرق؛ لأن اليهود قل عددهم في زمان بخت نصر، والنصارى كانوا قليلين في الابتداء، وكذا القول في المجوس والمانوية.
قلت: صدقتم؛ حيث قلتم: لابد من استواء الطرفين والواسطة؛ لكن الطريق إليه: إما العقل، أو النقل، أو ما هو مركب منهما.
والعقل المحض: لا يكفي.
وأما النقل: فإما من الواحد، أو من الجمع؛ وقول الواحد: إنما يفيد، لو كان معصوما، وهو مفقود في زماننا.
وأما الجمع: فهو أن يقال: إن أهل التواتر في زماننا على كثرتهم، يخبرون أنهم كانوا كذلك أبدا، لكن كما أن أهل الإسلام يدعون ذلك، فهذه الفرق الأخرى تدعي ذلك، فليس تصديق إحداهما، وتكذيب الأخرى أولى من العكس.
وأما المركب منهما: فهو أن يقال: لو كان خبرا موضوعا، لعرفنا أن الأمر كذلك، وقد عرفت ضعف هذه الطريقة، ثم إن جميع الفرق يصححون قولهم بمثل هذه الطريقة، فليس قبول أحد القولين أولى من الآخر.
فأما الذي يقال: إن بخت نصر قتل اليهود؛ حتى لم يبق منهم عدد أهل التواتر.
قلنا: هذا محال؛ لأن الأمة العظيمة المتفرقة في الشرق والغرب يستحيل قتلها إلى هذا الحد.
وأما النصارى: فلو لم يكونوا بالغين في أول الأمر إلى حد التواتر، لم يكن