وأما رابعا: وهو الكلام المشهور في هذه المسألة: أن قول كل واحد، لما لم يكن مؤثرا، وجب أن يكون قول الكل غير مؤثر؛ كما أن كل واحد من الزنج، لما لم يكن أبيض، استحال كون الكل أبيض.
الوجه الرابع: في استحالة أن يكون خبر التواتر مستلزما للعلم؛ لأن المستلزم إما آحاد الحروف، وهو باطل، أو المجموع، وهو محال؛ لأن المجموع لا وجود له، وما لا وجود له، استحال أن يستلزم شيئا آخر.
فإن قلت: الموجب هو الحرف الأخير؛ بشرط وجود سائر الحروف قبله، أو بشرط مسبوقية الحرف الأخير بسائر الحروف؟.
قلت: الشرط لابد من حصوله حال حصول الشرط، والحروف السابقة غير حاصلة حال حصول الحرف الأخير.
وعن الثاني: أن مسبوقية الشيء بغيره لا تكون صفة، وإلا كانت صفة حادثة، فتكون مسبوقيتها بالغير صفة أخرى؛ ولزم التسلسل، وإذا كانت المسبوقية أمرا عدميا استحال أن يكون جزء العلة أو شرطها.
أما الذين سلموا أن خبر التواتر عن الأمور الموجودة- يفيد العلم؛ لكنهم منعوا من كون التواتر عن الأمور الماضية- مفيدا للعلم، فقد احتجوا بأن التواتر عن الأمور الماضية وقع عن أمور باطلة؛ فوجب ألا يكون حجة.
بيان الأول: أن اليهود، والنصارى، والمجوس، والمانوية على كثرة كل فرقة منهم، وتفرقهم في الشرق والغرب يخبرون عن أمور هي باطلة قطعا عند المسلمين؛ وذلك يقتضي القدح في التواتر.