الوجه الثالث: أن الإنسان ربما يتشبح له عند الخوف الشديد، أو الغضب الشديد، أو الفكر الشديد صورة لا وجود لها في الخارج، وكل ذلك مما يؤكد احتمال الاشتباه.
سلمنا صحة دليلكم في التواتر عن الأمور الموجودة؛ فلم قلتم: إن خبر التواتر عن الأمور الماضية في القرون الحالية قد وجدت هذه الشروط في كل الطبقات الماضية؟
قوله في الوجه الأول: (أهل التواتر في زماننا قد أخبرونا بأن أولئك الذين مضوا كانوا موصوفين بصفات أهل التواتر):
قلنا: هذا بهت صريح؛ لأن الذين أخبرونا ما أخبرنا كل واحد منهم: أن الذين أخبروه كانوا بصفة أهل التواتر، وأن الذين أخبروا كل واحد ممن أخبره كانوا كذلك، بل الذين يمكن ادعاؤه عليهم: أنهم سمعوا هذا الخبر من أناس كثيرين، فأما أن يدعي عليهم ما ذكرتموه، فبهت؛ لأن أكثر الفقهاء والنحاة لا يتصورون هذه الدعوى على وجهها؛ فضلا عن العوام؛ فضلا عن أن يقال: (إنهم علموا ذلك بالضرورة).
قوله: (لو كان حادثا، لظهر زمان حدوثه):
قلنا: لا نسلم أن كل مقالة ظهرت بعد الخفاء فلابد وأن يشتهر فيما بين الخلق حدوث ظهورها، ووقت ظهورها؛ لجواز أن يضع الرجل الواحد مقالة، ثم إنه يذكرها لجماعة قليلين، ثم كل واحد من أولئك يذكر ذلك الخبر لجماعة أخرى، من غير أن يسنده إلى القائل الأول؛ إلى أن يشتهر ذلك الخبر