وثانيها: أن المطلوب تتغير خلقته وشكله؛ يكون الاشتباه أكثر.
وأما المباشرون لذلك العمل، فكانوا قليلين؛ فيجوز عليهم الكذب؛ عمدا.
وثالثها: أنهم نظروا إليه من بعيد؛ وذلك مظنة الاشتباه.
قلت: الجواب عن الأول: أنه لو جاز ذلك في زمان الأنبياء، لجاز مثله في سائر أزمنة الأنبياء؛ وحينئذ لا يمكننا القطع بأن الذي أوجب الصلوات الخمس هو المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لجواز أن يكون شخصا آخر شبه به.
وأيضا: فلم لا يجوز انخراق العادات في هذا الزمان؛ ككرامات الأولياء؟ فإن منعوها قلنا: هذا لا يستقيم على قول أبي الحسين؛ فإنه لا يمنعها؛ ولأن بتقدير امتناعها، فليس ذلك الامتناع معلوما إلا بالبرهان، فقبل العلم بذلك البرهان، يكون التجويز قائما، والعلم بصحة خبر التواتر موقوف على فساد هذا الاحتمال؛ فوجب ألا يحصل العلم بخبر التواتر، لمن لم يعرف بالدليل امتناع الكرامات.
وعن الثاني: أن التغيير إنما يكون بعد الصلب والموت؛ فأما حال الصلب، فلا، وعندكم: أن الاشتباه حصل حال الصلب؛ لأنهم لو ميزوا بين ذلك الشخص، وبين المسيح، عليه السلام، لما صلبوا ذلك الشخص.
وعن الثالث: أن الذين مارسوا الصلب، كانوا قريبين منه، وناظرين إليه، ولأن النصارى يروون بالتواتر أنه بقى بعد الصلب، وقبل الموت مدة طويلة: بحيث رآه الجمع العظيم في بياض النهار؛ وذلك يبطل قولكم.
الوجه الثاني: روي أن جبريل، عليه السلام، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وأن الملائكة يوم بدر تشكلوا بأشكال الآدميين.