سلمنا أنه لابد من داع؛ فلم لا يجوز أن يوجد فيه شهوة متعلقة بالكذب؛ لكونه كذبا؟ ومتى كان كذلك أقدم العاقل على الكذب، لا لغرض آخر سوى كونه كذبا.
فإن قلت: إنه من المحال: أن يشتهي العاقل الكذب، لمجرد كونه كذبا.
وإن سلمنا جوازه، لكان في حق الواحد والاثنين، أما في حق الجمع العظيم فمحال، وهذا كما أنه جاز على كل واحد منهم وحده أن يأكل، في الساعة المعينة، من اليوم المعين، طعاما واحدا، لكن لا يجوز اتفاق الكل عليه.
قلت: الجواب عن الأول: أنا لا نسلم امتناع ذلك، فما الدليل عليه، وكيف؛ ونرى جمعا اعتادوا الكذب؛ بحيث لا يصبرون عنه، وإن كانوا يعلمون أن ذلك يضرهم، عاجلا أو آجلا؟، وإذا كان، كذلك علمنا أن دعوى الضرورة باطلة.
وعن الثاني: نسلم أن استقراء العادة يفيد ظنا قويا بأن الخلق العظيم لا يتفقون على أكل طعام معين، في زمان معين؛ لكن لا نسلم حصول اليقين التام بذلك، كيف، وذلك جائز على كل واحد منهم؟ وصدوره من كل واحد منهم لا يمنع صدوره عن الباقي، فيكون صدوره عن كلهم كصدوره عن كل واحد منهم، ومع هذه الحجة اليقينية على الجواز؛ كيف تدعى ضرورة الامتناع؟
سلمنا أنه لابد من غرض سوى كونه كذبا؛ فلم قلت: إن ذلك الغرض إما أن يكون دينيا أو دنيويا، أو رغبة أو رهبة، وما الدليل القاطع على الحصر؟
سلمناه؛ فلم لا يجوز أن يكون دينيا؟
قوله: (حرمة الكذب متفق عليها):