قلنا: مطلقا؟ لا نسلم؛ فإن كثيرا من الناس يعتقد أن الكذب المفضي إلى حصول مصلحة في الدين جائز؛ ولذلك نرى جمعا من الزهاد وضعوا أشياء كثيرة من الأحاديث في فضائل الأوقات، وزعموا: أن غرضهم منه حمل الناس على العبادات؛ وإذا كان كذلك؛ فلعلهم اتفقوا على الكذب؛ لما أنهم اعتقدوا فيه حصول مصلحة دينية، وإن كان الأمر بخلاف ما تخيلوه.
سلمنا أنه ليس الغرض دينيا؛ فلم لا يجوز أن يكون لرغبة دنيوية؟
قوله: (الرغبة: إما أخذ المال، أو إسماع الغير كلاما غريبا):
قلنا: أين الدليل على الحصر؟ ثم أين الدليل القاطع على فساد هذين القسمين؟.
قوله: (الجماعات العظيمة لا يشتركون في الرغبة إلى الكذب؛ لأجل هذين الغرضين):
قلنا: أن ادعيت الظن القوي، فلا نزاع؛ وإن ادعيت الجزم المانع من النقيض، فما الدليل عليه؟ فإنه إذا جاز ذلك في العشرة، أو المائة، ولم يكن ثبوت هذا الحكم للبعض مانعا من ثبوته للباقي؛ فلم قلت: إنه يمتنع كون الكل كذلك؟
والذي يؤكده: أنا لو قدرنا أن أهل بلدة علموا أن أهل سائر البلاد، لو عرفوا ما في بلدهم من الوباء العام، لتركوا الذهاب إلى بلدهم، ولو تركوا ذلك، لاختلت المعيشة في تلك البلدة، وقدرنا أن أهل تلك البلدة كانوا علماء حكماء، جاز في مثل هذه الصورة أن يتطابقوا على الكذب، وإن كانوا كثيرين جدا؛ فثبت بهذا إمكان اتفاق الخلق العظيم على الكذب؛ لأجل الرغبة، سلمنا ذلك، فلم لا يجوز أن يكون للرهبة؟