الأول ممنوع؛ لوجوهٍ:
أحدها: أن المؤمنين، إذا اتفقوا على فعل شيء من المباحات، فلو وجب إتباع سبيلهم في كل الأمور لزم التناقض؛ لأنه يجب عليهم فعله من حيث إنهم فعلوه، ولا يجب ذلك؛ لحكمهم بأنه غير واجب.
وثانيها: أن أهل الإجماع قبل اتفاقهم على ذلك الحكم، كانوا متوقفين في المسألة، غير جازمين بالحكم، بل كانوا جازمين بأنه يجوز البحث عنها، ويجوز الحكم لكل أحد بما أدى إليه اجتهاده، ثم إنهم بعد الإجماع قطعوا بذلك الحكم، فلو وجب متابعتهم في كل ما يقولونه، لزم إتباعهم في النقيضين، وهو محال.
فإن قلت: الإجماع الأول على تجويز التوقف، وطلب الدلالة، والحكم بما أدى إليه الاجتهاد ما كان مطلقًا، بل كان بشرط عدم الاتفاق على حكمٍ واحدٍ، فإذا حصل الاتفاق؛ زال شرط الإجماع؛ فزال بزواله.
قلت: المفهوم من عدم حصول الإجماع حصول الخلاف، فلو شرطنا تجويز الخلاف بعدم الإجماع، لزم أن يكون تجويز وجود الشيء مشروطًا بوجوده، وأيضًا: فلو جاز في أحد الإجماعين أن يكون مشروطًا بشرط، جاز أيضًا في الإجماع الثاني والثالث، ويلزم منه ألا يستقر شيء من الإجماعات.
وثالثها: أن اتفاق المجمعين على ما أجمعوا عليه: إما ألا يكون عن استدلالٍ، أو يكون عن استدلالٍ:
والأول باطل؛ لأن القول بغير استدلال خطأ، بالإجماع، فلو اتفق أهل الإجماع عليه كانوا مجمعين على الخطأ، وذلك يقدح في كون الإجماع حجة. وإن كان الثاني، فذلك الدليل، إما الإجماع، أو غيره.