والأول باطل؛ لأن الإجماع: إما أن يكون نفس حكمهم، أو نتيجة حكمهم، والدليل على الحكم متقدم على الحكم.
والثاني: يقتضي أن يكون سبيل المؤمنين إثبات ذلك الحكم بغير الإجماع، فيكون إثباته بالإجماع ابتاعًا لغير سبيلهم، فوجب ألا يجوز.
فظهر أنا لو حملنا الآية على اقتضاء متابعة المؤمنين في كل الأمور، لزم التناقض، وإذا بطل ذلك؛ وجب حملها على اقتضاء المتابعة في بعض الأمور؛ وحينئذ نقول بموجبه، ونحمله على الإيمان بالله - تعالى- ورسوله، ثم الذي يؤكد هذا الاحتمال وجوه:
أحدها: أن القائل إذا قال: اتبع سبيل الصالحين، فهم منه الأمر بإتباعهم فيما به صاروا صالحين، فكذا هاهنا.
وثانيها: أنا إذا حملنا الآية على ذلك، كان ذلك السبيل حاصلا في الحال، ولو حملناه على إجماعهم على الحكم الشرعي، كان ذلك مما سيصير سبيلا في المستقبل؛ لأنه لا يوجد إلا بعد وفاة الرسول، عليه الصلاة والسلام، فالحمل على الأول أولى.
وثالثها: أن السلطان، إذا قال: (ومن يشاقق وزيري من الجند، ولم يتبع سبيل فلانٍ - ويشير به إلى أقوامٍ متظاهرين بطاعة الوزير - عاقبتهم):
فإنه إنما يعني بالسبيل المذكور سبيلهم في طاعة الوزير، دون سائر السيل.
سلمنا دلالة الآية على وجوب المتابعة في كل الأمور، لكنها تدل على وجوب متابعة بعض المؤمنين، أو كلهم؟