سلمنا حظر إتباع غير سبيلهم مطلقًا، لكن لفظ السبيل حقيقة في الطريق الذي يحصل فيه المشي، وهو غير مراد هاهنا بالاتفاق، فصار الظاهر متروكًا؛ فلابد من صرفه إلى المجاز، وليس البعض أولى من البعض، فتبقي الآية مجملة.
وأيضًا: فإنه لا يمكن جعله مجازًا عن اتفاق الأمة على الحكم؛ لأنه لا مناسبة ألبتة بين الطريق المسلوك، وبين اتفاق أمة محمد r على شيء من الأحكام، وشرط حسن التجوز حصول المناسبة.
سلمنا أنه يجوز جعله مجازًا عن ذلك الاتفاق، لكن يجوز أيضًا جعله مجازًا عن الدليل الذي لأجله اتفقوا على ذلك الحكم؛ فإنهم إذا أجمعوا على الشيء، فإما أن يكون ذلك الإجماع عن استدلال، أو لا عن استدلال:
فإن كان عن استدلال: فقد حصل لهم سبيلان: الفتوى والاستدلال؛ فلم كان حمل الآية على الفتوى أولى من حملها على الاستدلال على الفتوى؟
بل هذا أولى؛ فإن بين الدليل الذي يدل على ثبوت الحكم، وبين الطريق الذي يحصل فيه المشي مشابهة، فإنه كما أن الحركة البدنية في الطريق المسلوك توصل البدن إلى المطلوب، فكذا الحركة الذهنية في مقدمات ذلك الدليل توصل الذهن إلى المطلوب، والمشابهة إحدى جهات حسن المجاز، وإذا كان كذلك، كانت الآية تقتضي إيجاب إتباعهم في سلوك الطريق الذي لأجله اتفقوا على الحكم، ويرجع حاصله إلى إيجاب الاستدلال بما استدلوا به على ذلك الحكم، وحينئذ يخرج الإجماع عن كونه حجة.
وأما إن كان إجماعهم لا عن استدلال: والقول لا عند استدلال خطأ، فيلزم إجماعهم على الخطأ، وذلك يقدح في صحة الإجماع.