وأيضًا: فالإنسان إذا قال لغيره: إذا تبين لك صدق فلان فاتبعه، فهم منه تبين صدق قوله بشيء غير قوله، فكذا هاهنا يجب أن يكون تبين صحة إجماعهم بشيء وراء إجماعهم، وإذا كنا لا نتمسك بالإجماع إلا بعد دليلٍ منفصلٍ على صحة ما أجمعوا عليه، لم يبقي للتمسك بالإجماع أثر وفائدة.
سلمنا أنها تقتضي المنع من متابعة غير سبيل المؤمنين، ولكن عن متابعة كل ما كان غير سبيل المؤمنين، أو عن متابعة بعض ما كان كذلك؟!
الأول ممنوع، وبتقدير التسليم، فالاستدلال ساقط: أما المنع فلأن لفظ (الغير) ولفظ (السبيل) كل واحد منهما لفظ مفرد؛ يفيد العموم، وأما أن بتقدير التسليم، فالاستدلال ساقط؛ لأنه يصير معنى الآية: (إن كل من اتبع كل ما كان مغايرًا لكل ما كان سبيل المؤمنين يستحق العقاب) وهذا لا يقتضي أن يكون المتبع لبعض ما غاير سبيل المؤمنين مستحقًا للعقاب.
والثاني مسلم، ونقول بموجبه، فإن عندنا يحرم بعض ما غاير بعض سبيل المؤمنين، أو بعض ما غاير كل سبيل المؤمنين، أو كل ما غاير بعض سبيل المؤمنين، وهو السبيل الذي صاروا به مؤمنين، والذي يغايره هو الكفر بالله تعالى، وتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا التأويل متعين لوجهين:
أحدهما: أنا إذا قلنا: لا تتبع غير سبيل الصالحين، فهم منه المنع من متابعة غير سبيل الصالحين، فيما به صاروا غير صالحين، ولا يفهم منه المنع من متابعة سبيل غير الصالحين في كل شيء، حتى في الأكل والشرب.
وثانيهما: أن الآية نزلت في رجل ارتد، وذلك يدل على أن الغرض منها المنع من الكفر.