والذي يدل عليه أن الإنسان قبل الإحاطة بالمقالات الغريبة، والمذاهب النادرة يعتقد اعتقادًا جازمًا أن كل المسلمين يعترفون أن ما بين الدفتين كلام الله عز وجل؛ ثم إذا فتش عن المقالات الغريبة وجد في ذلك اختلافًا شديدًا؛ نحو ما يروى عن ابن مسعودٍ أنه: (أنكر كون الفاتحة والمعوذتين من القرآن).
ويروى عن الميمونية - قوم من الخوارج - أنهم أنكروا كون سورة يوسف من القرآن، ويروى عن كثيرٍ من قدماء الروافض أن هذا القرآن الذي عندنا ليس هو ذلك الذي أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بل غير وبدل، ونقص عنه وزيد فيه، وإذا كان كذلك، علمنا أنا، وإن اعتقدنا في الشيء أنه مجمع عليه اعتقادًا قويًا، لكن ذلك الاعتقاد لا يبلغ حد العلم، ولا يرتفع عن درجة الظن.
قوله: (نعلم استيلاء بعض المذاهب على بعض البلاد).
قلنا: علمنا ذلك بخبر التواتر، وفرق بين معرفة حال الأكثر، وبين معرفة حال الكل؛ لأن من دخل بلدًا، ورأي شعائر الإسلام في جميع المحلات والسكك ظاهرةً، علم بالضرورة أن الغالب على أهل تلك المدينة الإسلام.
فأما أن يعلم قطعًا أنه ليس في البلدة أحد إلا مسلم ظاهرًا وباطنًا، فذلك مما لا سبيل إليه ألبتة، والعلم بامتناعه ضروري.
قوله: (السلطان العظيم يمكنه جمع علماء العالم في موضعٍ واحدٍ).
قلنا: هذا السلطان المستولى على جميع معمورة العالم مما لم يوجد إلى الآن، وبتقدير وجوده، فكيف يمكن القطع بأنه لم يتلفت منه أحد في أقصى الشرق، أو أقصى الغرب؟ فإن ذلك الملك ليس بعلام الغيوب، وبتقدير ألا ينفلت منه