بقي أن يكون الطريق إليه: إما الحس، وإما الخبر، لكن من المعلوم أن الإحساس بكلام الغير، أو الإخبار عن كلامه لا يمكن إلا بعد معرفته، فإذن العلم باتفاق الأمة لا يحصل إلا بعد معرفة كل واحد من الأمة، لكن ذلك متعذر قطعًا، فمن ذا الذي يعرف جميع الناس الذين هم بالشرق والغرب؟.

وكيف الأمان من وجود إنسان في مطمورة لا خبر عندنا منه؟ فإنا إذا أنصفنا علمنا أن الذين بالشرق لا خبر عندهم من أحد من علماء الغرب؛ فضلا عن العلم بكل واحدٍ منهم على التفصيل، وبكيفية مذاهبه.

وأيضا: فبتقدير العلم بكل واحد من علماء العالم لا يمكننا معرفة اتفاقهم؛ لأنه لا يمكن ذلك إلا بالرجوع إلى كل واحد منهم، وذلك لا يفيد حصول الاتفاق؛ لاحتمال أن بعضهم أفتى بذلك، على خلاف اعتقاده تقية، أو خوفًا، أو لأسباب أخرى مخفية عنا.

وأيضا: فبتقدير أن نرجع إلى كل واحد منهم، ونعلم أن كل واحد منهم أفتى بذلك من صميم قلبه، فهو لا يفيد حصول الإجماع؛ لاحتمال أن علماء بلدة، إذا أفتوا بحكم، فعند الارتحال عند بلدهم والذهاب إلى البلدة الأخرى، رجعوا عن ذلك الحكم قبل فتوى أهل البلدة الأخرى بذلك.

وعلى هذا التقدير لا يحصل الاتفاق؛ لأنا لو قدرنا أن الأمة انقسمت إلى قسمين، وأحد القسمين أفتى بحكم، والآخر أفتى بنقيضه، ثم انقلب المثبت نافيًا، والنافي مثبتًا، لم يحصل الإجماع، وإذا كان كذلك، فمع قيام هذا الاحتمال، كيف يحصل اليقين بحصول الإجماع؟! بل هاهنا مقام آخر، وهو أن أهل العلم بأسرهم، لو اجتمعوا في موضعٍ واحدٍ، ورفعوا أصواتهم دفعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015