المسألة الثانية
قال الرازي: من الناس من زعم أن اتفاقهم على الحكم الواحد الذي لا يكون معلومًا بالضرورة محال، كما أن اتفاقهم في الساعة الواحدة على المأكول الواحد، والتكلم بالكلمة الواحدة محال، وربما قال بعضهم: كما أن اختلاف العلماء في الضروريات محال، فكذا اتفاقهم في النظريات محال.
والجواب: أن الاتفاق إنما يمتنع: فيما يتساوى فيه الاحتمال؛ كالمأكول المعين، والكلمة المعينة.
أما عند الرجحان - وذلك: عند قيام الدلالة، أو الأمارة الظاهرة - فذلك غير ممتنع، وذلك كاتفاق الجمع العظيم على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - واتفاق الشافعية والحنفية، مع كثرتهما على قوليهما مع أن أكثر أقوالهما صادر عن الأمارة.
ومن الناس من سلم إمكان هذا الاتفاق في نفسه، لكنه قال: لا طريق لنا إلى العلم بحصوله؛ لأن العلم بالأشياء، إما أن يكون وجدانيًا، أو لا يكون:
أما الوجداني: فكما يجد كل واحد منا من نفسه من جوعه، وعطشه، ولذته، وألمه، إلى غير ذلك، ولا شك أن العلم بحصول اتفاق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ليس من هذا الباب.
وأما الذي لا يكون وجدانيًا: فقد اتفقوا على أن الطريق إلى معرفته: إما الحس، وإما الخبر، وإما النظر العقلي.
أما النظر العقلي: فلا مجال له في أن الشخص الفلاني قال بهذا القول، أو لم يقل به.