وأهل الشريعة السابقة محتاجون للعمل بمقتضيات نصوصهم في زمانهم، فلو كانت الشريعة المتأخرة مخصصة للمتقدمة، لتأخر البيان عن وقت الحاجة، ولا تخصص المتقدمة المتأخرة؛ لأن الله تعالى أجرى عادته؛ ألا يترك في شريعته غلا ما يختص بتلك الأمة، وذلك القرن؛ فلا يحصل منه بيان الشريعة الآتية، وهذه عادة أجرها الله تعالى لذلك، ومن الممكن خلافها عقلا، وهو ممنوع عادة ربانية، لا عقلا.
قوله: " النسخ: رفع للحكم بعد ثبوته دون التخصيص ".
قلنا: هذه العبارة غير متجهة؛ فإن الله ذا أوجب صوم يوم عاشرواء غلى زمان معين؛ فنسخ وجوبه، فالحكم تعالى إذا أوجب صوم يوم عاشوراء إلى زمان معين؛ فنسخ وجوبه، فالحكم كان ثابتا قبل النسخ، وكان الله تعالى يعلم أنه ثابت إلى زمان ورود الناسخ، وأنه غير ثابت بعده؛ فالناسخ حينئذ؛ لما ورد، لم يرفع الثبوت الكائن قبل حد النسخ؛ لأنه مستمر إليه إجماعا، ولم يرفع الحكم بعد ورود النسخ؛ لأنه لم يثبت إجماعا، فما رفع حكما بعد ثبوته، بل بين أن هذا هو حد الثبوت الكائن في نفس الامر ومنتهاه، فبعد النسخ لم يكن الحكم ثابتا في نفس الأمر، وكذلك بقى بعد النسخ، وقبل النسخ كان الحكم ثابتا، وكذلك بقى، فإن رفع الماضي الواقع محال، والقسمان في النسخ الثابت، وغير الثابت باعتبار ما بين القسمين في التخصيص المراد، وغير المراد باعتبار المخرج، والنفي في التخصيص، والنسخ فكان الاعتقاد حاصلا بأن المخصوص والمنسوخ على خلاف ما ثبت بعد النسخ والتخصيص؛ فاستوى البابان باعتبار الاعتقاد، وباعتبار الواقع في نفس الأمر، وباعتبار التبين، ولم يبق سوى فرق واحد، وهو أن الذي كان موصوفا ثابتا مرادا بالحكم في الزمن الأول في النسخ، حكم عليه بعينه بأنه غير مراد بالحكم بعد ورود الناسخ، وفي التخصيص الذي قيل فيه: " إنه غير مراد " لم يكن مرادا قط، فتوارد الإرادة وعدمها في