بالقرائن الحالية، او المقالية، أو بعلم ضروري يخلقه الله تعالى في الصدور؛ وحينئذ يكون النسخ قد وجد بدون تناول الخطاب؛ فيكون النسخ أعم من هذا الوجه، ويكون التخصيص أعم من جهة تناول الأشخاص في بعض صوره دون الأزمنة، ويجتمعان في إخراج بعض الأزمنة؛ فيكون كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه، وأخص من وجه؛ كالحيوان والابيض، كل واحد منهما يوجد مع الآخر، وهذا هو حقيقة الأعم من وجه، والأخص من وجه، وظاهر كلامكم يقتضي أن التخصيص أعم مطلقا.
قوله: " يصح نسخ شريعة بشريعة ".
قلنا: هذا الإطلاق وقع في كتب العلماء كثيرا، فالمراد: ان الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكام الشريعة المتقدمة، أما كلها فلا؛ لأن الله تعالى أجرى عادة في الشرائع؛ أنه لا ينسخ منها قواعد العقائد بأصول الدين، ولا ينسخ الكليات الخمسة، وهي حفظ [الدين] والدماء، والعقول، والأنساب، والأموال، فحرم القتل، والسكر، والزنا، والسرقة، في جميع الشرائع، وإنما نسخ في بعضها القدر الذي لا يسكر.
أما القدر الذي يسكر، فقد حكى الغزالي إجماع الشرائع على تحريمه، وقد لا ينسخ منها شيء، فقد بعث الله أنبياء كثيرين بتأكيد التوراة، والعمل بجميع ما أنزل فيها من غير نسخ؛ فحينئذ النسخ إنما يقع في بعض الأحكام الفروعية، وإطلاق قولنا: " الشريعة تنسخ الشريعة " يقتضي نسخ الجميع، وليس كذلك، وهو جائز عقلا، غير ان البحث في هذا المقام، إنما هو في الواقع في عادة الله تعالى لا في الجائز عقلا؛ وإلا فيجز التخصيص بين الشرائع؛ لأنه جائز عقلا.
قوله: " لا يجوز تخصيص شريعة بشريعة ".
تقريره: أن عادة الله تعالى جارية بألا يتأخر البيان عن وقت الحاجة،