هذا الذي أراه وأقول به في ذلك وأتقلده. لأن الإيمان تحمل على بساطها، وعلى المعاني المفهومة من قصد الحالف بها لا على ما تقتضيه ألفاظها في اللغة. وهو أصل مذهب مالك رحمه الله"1. وقد دعم فتواه بنظائر لها عن الإمام مالك، وتلميذه ابن القاسم، ثم قال: "وأهل العراق يخالفون في ذلك ويرون الحالف حانثًا، لما لفظ به في يمينه، ولا يعتبرون في ذلك نية ولا بساطا ولا معنى. وذلك خطأ بين في الفتوى. لأن الأحكام إنما هي لمعاني الألفاظ المعتبرة المفهومة منها، دون ظواهرها. ولو اتبعت ظواهرها دون معانيها المفهومة منها في كل موضع لعاد الإسلام كفرا، والدين لعبًا"2.
ثم مثل لهذا المآل الشنيع الذي يفضي إليه التمسك بالظاهر، وإهمال المقاصد، بقوله تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} 3، بحيث إذا أخذ على ظاهره أدى إلى الكفر والشرك ولكن مقصوده النهي والوعيد. وذكر نظائر أخرى لهذا، من الآي الكريمة.
ومثل الحلف: النذر، فإنه لا يلزم عند مالك بمجرد اللفظ الخالي عن القصد الصحيح. ومن ذلك ما رواه ابن حبيب، أن أعرابيا نفرت ناقته وهربت، فقال لها: أنت بدنة، يعني هديا إلى بيت الله. ثم سأل مالكًا، فقال له مالك -ليتأكد من قصده قبل إفتائه-: أردت زجرها بذلك؟ فقال: نعم. قال: لا شيء عليك. قال: أرشدك يابن أنس. وعلق ابن رشد على فتوى مالك هذه بقوله: "لم يوجب إخراجها، إذ لم تكن له نية في ذلك، إنما قصد زجرها لا القربة إلى الله تعالى في إخراجها. وهو الأظهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"4.
ومن الأحكام التي بناها المالكية على مراعاة قصد المكلف: إبطالهم نكاح المحلل، خلافًا للحنفية والشافعية، لأن القصد في نكاح المحلل قصد فاسد، ليس