وإذن، فمتى ظهرت المقاصد، أخذ بها وبني عليها، ولا عبرة باللفظ. ومتى ثبت اللفظ، وتردد بين معنيين أو أكثر، حمل على المعنى الموافق للقصد.

ومن أمثلة هذا -عند ابن العربي أيضًا- أنه وقف عند قوله تعالى في الآية 11 من سورة النساء: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} ، وتساءل عن لفظ الأولاد، هل يدخل فيه أولاد الأولاد كأن يحبس أحد على أولاده، فهل ينتقل ذلك التحبيس إلى أولاد الأولاد؟ وكأن يجعل أحد شيئًا من ماله صدقة لأولاده، هل تقتصر الصدقة على الأولاد الحقيقيين، أم تشمل أولادهم؟

وجوابه على هذا وذاك، يرجع إلى المقاصد، قال: "كلام الناس يرتبط بالأغراض والمقاصد، والمقصود من الحبس، التعقيب، فدخل فيه ولد الولد. والمقصود من الصدقة: التمليك، فدخل فيه الأدنى خاصة، ولم يدخل فيه من بعد إلا بدليل"1.

ومن الأبواب الفقهية التي دأب المالكية فيها، على تحكيم المقاصد والنيات، باب الإيمان وما قد تشتمل عليه من التزامات.

ومن أمثلة ذلك أن القاضي الفقيه أبا الوليد بن رشد سئل عن امرأة توفي عنها زوجها، وهو أمير البلدة، وكانت تسكن معه دار الإمارة. فحلفت -بعد وفاته- بأغلظ الأيمان ألا تسكن تلك الدار بعده، وأنها يلزمها كذا وكذا إذا رجعت إليها. ثم تزوجها بعد ذلك الأمير الجديد، الذي سكن تلك الدار، دار الإمارة فأرغمها على السكنى فيها معه، فماذا عليها؟

فأجاب بأن "لا حنث على هذه المرأة الحالفة في رجوعها إلى سكنى دار الإمارة مع زوجها الأمير في ذلك البلد، لأن الظاهر من أمرها أنها كرهت الرجوع إليها على غير الحال التي كانت عليها مع زوجها المتوفى. فلا شيء عليها في رجوعها على الحال التي كانت عليها مع زوجها المتوفى، إذ لم تحلف على ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015