بالأسباب الباطنة، أقامت الظاهر مقامها، كالمشقة في السفر التي علقت عليها الرخص، فلما لم تنضبط، علقت على صورة السفر"1.

وأما في باب النكاح، فقد حكم المالكية سد الذرائع، في أحكام كثيرة: فمنعوا نكاح المريض مرض الموت، ومنعوا التوارث به إذا وقع، وعكس ذلك يورثون المطلقة فيه ولو بانت. وقد روى الإمام مالك -في باب طلاق المريض من موطئه- آثارًا عن عثمان وعلي -رضي الله عنهما- في توريث المطلقة ثلاثًا في مرض الموت، ثم قال " قال مالك: وإن طلقها وهو مريض قبل أن يدخل بها، فلها نصف الصداق ولها الميراث، ولا عدة عليها. وإن دخل بها ثم طلقها، فلها المهر كله، والميراث، البكر والثيب في هذا عندنا سواء"2.

وهذه الوجهة في الاجتهاد عند مالك -وعند أهل المدينة، والصحابة قبلهم- إنما مستندها سد الذريعة، ومنع الإضرار بالزوجة، أي رعاية مصلحتها وحقها.

ومن سد الذرائع في النكاح، أن المالكية -واعتمادًا على اجتهاد عمر رضي الله عنه- يحرمون تحريما مؤبدًا الزواج بين الرجل والمرأة إذا تزوجها وهي ما زالت في العدة: "فإن كان قد دخل بها وحصل منه استمتاع، والعدة لم تفرغ، فالتحريم المتأبد حاصل من غير افتقار إلى حكم حاكم به، لنص عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ذلك. وهو المشهور والمعمول به في مذهب مالك، وإن لم يكن منه دخول ولا استمتاع إلا بعد فراغ العدة، ولم يقع في العدة إلا العقد خاصة، فهو موضع احتمال في كلام عمر. واختلف قول مالك فيه على روايتين مشهورتين"3.

ورغم هذا المنحى المتشدد في المذهب -سدا لباب الفساد والاستخفاف بأحكام الشرع- فإن المفتي -أبا سعيد بن لب- اختار أنه إذا لم يقع الدخول إلا بعد انقضاء العدة، وكانت هناك ضرورة تخص الزوجين، أو تتعلق بوجود حمل أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015