الفاسدة، رعاية للمقاصد الشرعية والمصالح المشروعة، حتى أن الإمام مالكًا -كما قرر الشاطبي- حكم قاعدة سد الذرائع في أبواب الفقه1. وهذا ما أكده الأستاذ محمد هشام البرهاني، صاحب البحث الجامع في موضع سد الذرائع، حيث قال: "سد الذرائع من أصول الاستنباط الفقهي المهمة عند المالكية. وليس في المذاهب الفقهية الأربعة المنتشرة، ولا في غيرها، من بلغ في أخذه بهذا الأصل مبلغ المذهب المالكي. ولهذا كان العمل بالمصلحة المرسلة أصلا مستقلا من أصول التشريع عنده. وليس سد الذرائع إلا تطبيقا عمليا من تطبيقات العمل بالمصلحة. ولذلك عدوه ضمن أصولهم وأعملوه في استنباطاتهم وتخريجاتهم، في جمع أبواب الفقه، وفي كثير من المسائل العملية. وبالغوا في ذلك حتى عد بعض الفقهاء سد الذرائع من خصوصيات مذهب إمام دار الهجرة"2.

ولعل أكثر الأبواب الفقهية التي حكم فيها مالك والمالكية سد الذرائع هي أبواب البيوع، والعقوبات، والمناكحات.

ففي مجال البيوع، يبطل المالكية -ومعهم الحنابلة- البيوع التي يظهر فيها القصد الفاسد، المخالف لقصد الشارع: كبيع العينة، فإنه يفضي إلى مفسدة الربا. وكبيع العنب لعاصر الخمر، وبيع السلاح لأعداء المسلمين، أو لأهل الفتنة والعدوان، وبيع أرض لتتخذ كنيسة: لما تجره هذه البيوع من مفاسد وأضرار ظاهرة. أما الحنفية والشافعية، ففرقوا بين صحة العقد وفساد القصد. فالعقد عندهم صحيح ما دام مستوفيًا لشروطه الظاهرية، والقصد أمره إلى الله.

ومن أمثلة العينة، أن يبيع أحد سلعة بعشرة مؤجلة، ثم يشتريها بخمسة معجلة، قال القاضي أبو بكر بن العربي -بعد أن أيد تحريم هذا البيع- "فإن قيل: وأنت إنما حرمت هذا خوفًا من القصد، وأنت لم تعلم قصده. قلنا: هذه نكتة المسألة وسرها الأعظم: وذلك أنه لما كان هذا أمرًا مخوفًا، حسم الباب فيه، ومنع من صورته، لتعذر الوقوف على القصد فيه. والشريعة إذا علقت الأحكام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015