ولد بينهما، اختار الأخذ لهما بالتحليل، وهو القول المخفف في المذهب. وهذا وجه آخر من وجوه النظر المصلحي في المذهب المالكي، يستند إلى قاعدة من قواعد المذهب، وهي قاعدة "مراعاة الخلاف"، أي أنه اختار القول بالتحليل، للمصلحة المذكورة، ومراعاة لكون هذا هو قول جمهور العلماء من أهل المذاهب الأخرى.

وقد سئل هذا الإمام عن رجل له بنت في حضانة مطلقته، فزوجها وهي سن العاشرة لينزعها من حضانة أمها ويسقط النفقة الواجبة عليه: "فأجاب: لا تسقط حضانة الأم ولا الفرض الواجب للبنت إلا بدخول الزوج بها، مع كونها تطيق الوطء، ولا تسقط بعقد النكاح على البنت، ولا يمكن الزوج منها وهي غير مطيقة للوطء، لأن ذلك إضرار بها، وحيلة على إسقاط حق الأم في حضانتها، ولا تنتزع الابنة من أمها إلا بالتزويج مع كونها تطيق الوطء"1.

وقد أفتى عدد من فقهاء المذهب، فيمن هرب بامرأة وأقام معها على الزنى، ثم طلب الزواج بها، أنها تحرم عليه تحريمًا مؤبدًا، قال الشيخ العلمي: "وما ذلك منهم إلا مراعاة للقاعدة الجارية في سد الذرائع، وحسم مادة الفساد، وهي من أصول المذهب المالكي"2.

والغريب أن القول المشهور في المذهب -في هذه المسألة- على خلاف هذا، مع أن هذه الحالة أولى بتأييد التحريم3 من حالة من تزوج امرأة ودخل بها قبل انقضاء عدتها، ولهذا فإن الفقهاء الذين أفتوا بتأبيد التحريم في حالة الهروب والزنى، أذهب مع قواعد المذهب امن أصحاب القول المشهور.

وأما في باب العقوبات -وقد اقتربنا منه- فإن المذهب المالكي هو أشد المذاهب، وأكثرها توسعًا في الزجر، وفي سد المنافذ على المعتدين والمفسدين، حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015