الكتاب الأول نجده يقسم مقصود الشرع إلى ديني ودنيوي1، ثم ينص على أنه "قد علم على القطع أن حفظ النفس، والعقل، والبضع، والمال، مقصود في الشرع"2. ثم أورد لكل مقصود من هذه المقاصد الأربعة، ما يدل عليه:
- حفظ النفس، يدل عليه شرع القصاص في القتل.
- وحفظ العقل دل عليه تحريم الخمر.
- وحفظ البضع واضح في تحريم الزنى والعقوبة عليه.
- والمال محفوظ بمنع التعدي على ملك الغير، وإيجاب الضمان، والقطع في السرقة.
ثم قال: "وقد نبه على مصالح الدين في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ، وما يكف عن الفحشاء فهو جامع لمصالح الدين. وقد تقترن به مصلحة الدنيا أيضًا"3.
وفي "المستصفى" أعاد هذه المقاصد الجامعة، ولكن بشكل أكثر إحكامًا وتنقيحًا، فلم يقسمها إلى دينية ودنيوية، ربما لأنه أحس بإمكان الاعتراض عليه، بأن هذه المقاصد كلها دينية ودنيوية في آن واحد. خاصة وأنه قد أشار إلى هذا في نهاية قوله السابق. فالنهي عن الفحشاء والمنكر، هو نفسه النهي عن القتل، وعن السكر، وعن الزنى، وعن السرقة.
ولهذا، فبدل وضعه المصالح الدينية، بإزاء المصالح الدنيوية، جعل في مقدمة المقاصد الشرعية الضرورية: "حفظ الدين" ومصلحة الدين -أو ضرورة الدين- هنا تعني: أصل الدين، وهو المتمثل في الإيمان بالله وتوحيده وعبادته. ودليل هذا أنه قال: "ومثاله أي حفظ الدين: قضاء الشرع بقتل الكافر المضل، وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته، فإن هذا يفوت على الخلق دينهم"4.