وبهذا خرج عن الإشكال، وتجنب الاعتراض على تقسيم المصالح إلى دينية ودنيوية.
كما أنه عدل عن لفظ "البضع"، الذي استعمله في "شفاء الغليل" إلى لفظ أكثر دقة ووضوحًا، وهو لفظ "النسل" وهكذا أصبحت صياغة المقاصد الأساسية كما يلي: "ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو: أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم"1.
ومن آرائه التي نجد أصلها في "شفاء الغليل"، ثم أحكامها في "المستصفى، ما يتعلق بحفظ هذه الضروريات في الشرائع السابقة، فقد قال في "الشفاء" عن حفظ النفوس: "وهو الذي لا يجوز انفكاك شرع عنه عند من يقول بتحسين العقل وتقبيحه"2، ويعني بهم المعتزلة، ولكنه سرعان ما تبنى هذا الرأي دون حاجة إلى نسبته إلى أهل التحسين والتقبيح، فقال عن حفظ العقل وتحريم المسكر لأجله: "فهذا أيضًا مما لا يجوز أن تنفك عنه عقول العقلاء، ولا أن يخلو عنه شرع مهد بساطه لرعاية مصلحة الخلق في الدين والدنيا. فلم تشتمل ملة قط على تحليل مسكر، وإن اشتملت على تحليل القدر الذي لا يسكر من جنس المسكر.
وكذلك القول في مقصود البضع والمال وما يقع على هذه الرتبة"3.
ثم قرر في "المستصفى" -بعبارة جامعة حاسمة- أن حفظ الأصول الخمسة: "يستحيل أن لا تشتمل عليه ملة من الملل، وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق. ولذلك لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر، والقتل، والزنى، والسرقة، وشرب المسكر"4.
وسيرا على خطى شيخه إمام الحرمين، فقد قسم المصالح الشرعية حسب درجة قوتها ووضوحها، وعلى هذا الأساس فإن المصالح منها ما هي في رتبة