فإذا كان الشافعي قد أدخل علم أصول الفقه في مرحلة التأليف والتدوين، فإن الباقلاني قد انتقل بالتأليف الأصولي إلى مرحلة التوسع الشمولي، وإلى مرحلة التمازج والتفاعل مع علم الكلام1. وهو تفاعل كانت له فوائده وأضراره.

ومن القرائن والإشارات الدالة على التحول الذي عرفه علم الأصول على يد الباقلاني، ما يلي:

1- كتابه الضخم "التقريب والإرشاد في ترتيب طرق الاجتهاد". ومما يدل على ضخامته، أنه هو نفسه اختصره مرتين، وجعل منه "الإرشاد المتوسط" و"الإرشاد الصغير". ونقل الدكتور محمد حسن هيتو2، عن ابن السبكي قوله عن هذا الكتاب: "وهو أجل كتب الأصول، والذي بين أيدينا منه هو المختصر الصغير، ويبلغ أربع مجلدات، ويحكى أن أصله كان في اثني عشر مجلدًا".

وهو توسع كبير في التأليف الأصولي، لم يسبق مثله، وقل نظيره حتى بعد ذلك. وله أيضًا3: "المقنع في أصول الفقه" و"الأحكام والعلل" و"كتاب البيان عن فرائض الدين وشارئع الإسلام" وكلها كتب لها صلة، ويمكن أن يكون لها تأثير فيما قيل بعد ذلك من مقاصد الشريعة.

2- ومما يدل على التأثير الكبير للباقلاني، في عصره، وفيما بعد عصره، أن مؤلفاته وآراءه الأصولية قد شغلت الأصوليين وهيمنت على كتاباتهم: فإمام الحرمين اختصر كتابه "التقريب" في كتاب سماه "التلخيص". وهو حيثما تكلم في كتابه "البرهان" إلا وتجد "القاضي" حاضرًا، وتجد آراءه محور كلام الجويني تأييدًا، أو معارضة، أو توضيحًا، أو استدراكًا. وقريب من هذا نجده في مؤلفات القرن الخامس الأخرى، كما عند الشيرازي والغزالي وغيرهما، ثم مؤلفات العصور اللاحقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015