وإذا صح أن كتابه الأخير في الأصول -وهو الظاهر- فإن لكلمة "العلل" أهميتها الخاصة في موضوعنا.
كما يستلفتنا في ترجمته، ذلك التقدير الكبير الذي كان يحظى به لدى علماء كل المذاهب الفقهية، حتى ذكر -مما ذكر فيه- أن أصحاب الشافعي وأبي حنيفة، كانوا إذا اختلفوا في أقوال أئمتهم، يسألونه فيرجعون إلى قوله1. وأما المالكية فقد كان إمامهم بلا منازع.
ولكن أهم ما استوقفني في ترجمته، هو أنه قد تخرج على يديه فوج كبير من فطاحل الفقهاء والأصوليين، ممن كان لهم أثر بعيد في عصرهم، وفيما بعد عصرهم. حتى قال القاضي عياض "ولم ينجب أحد بالعراق من الأصحاب -بعد إسماعيل القاضي- ما أنجب أبو بكر الأبهري"2.
ومن أشهر أصحابه: الإمام الأصيلي، وابن خويز منداد، وأبو الحسن بن القصار، والقاضي عبد الوهاب، والقاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني، وهو أشهرهم وأهمهم في موضوعنا.
الباقلاني "ت 403":
وهو الملقب بشيخ السنة ولسان الأمة، إمام وقته3، ويعد مجدد المائة الرابعة.
ولعل هذه الإشارات وحدها، كافية في الدلالة على مكانة الرجل، وحياته الحافلة بالجهاد العلمي بمختلف جبهاته. ولكن الذي يعنينا -على وجه الخصوص- هو منزلته الأصولية. ويبدو لي أنه يمثل المنعطف الثاني في مسيرة علم الأصول، بعد المنعطف الأول الذي يمثله الإمام الشافعي.