هو أهم مسلك لمعرفة المقاصد الشرعية عند الشاطبي، رغم عدم إيراده له في الخاتمة المخصصة لهذا الموضوع.

فإذا كانت هذه هي منزلة الاستقراء عند الشاطبي، فيبقى أن أشير إلى منزل الاستقراء، بالمقارنة مع المسالك الأخرى التي تعرف بها مقاصد الشارع. ويتلخص ذلك في كون المقاصد التي تثبت بالاستقراء هي المقاصد الكبرى والعامة للشريعة الإسلامية. وهي معظم ما دارت حوله مقاصد الشاطبي. ولهذا كان الاستقراء ملازمًا له حيثما قرر شيئًا من كليات الشريعة. أو أعلن عن مقصد من مقاصدها العامة.

كما أن المقاصد الاستقرائية تمتاز بالقطع. وقد رأينا -قبل قليل- كيف يؤكد الشاطبي على قطيعة الاستقراء سواء أكان تاما أو ناقصًا "أكثريا بتعبير الشاطبي"، متجاهلًا بذلك ما يتردد عند كثير من الأصوليين والمناطقة من كون الاستقراء الناقص يفيد الظن، ولا يفيد العلم، اتباعًا منهم للمنطق الأرسطي1.

هذا، بينما المقاصد التي تثبت عن طريق المسالك الأخرى هي غالبًا مقاصد جزئية، تتعلق بهذا الحكم أو ذاك، وهذا النص أو ذاك.

كما أن كثيرًا منها يقف عند مجرد الظن والرجحان، مثلما هو الشأن في المقاصد التي تؤخذ من مجرد ظاهر الأمر والنهي، وكذا التي يعتمد فيها على العلل المتوصل إليها بمسالك ظنية، كمسلك المناسبة مثلًا.

والشاطبي -وإن كان قد ذكر الجهات الأربع التي بها يعرف مقصود الشارع- فإن اعتماده كان على الاستقراء أكثر من اعتماده على أي جهة من هذه الجهات. ولهذا جاءت "مقاصده" متسمة بالعموم والقطع. وقلما كان يتعرض للمقاصد الجزئية، الخاصة ببعض التكاليف. فإن فعل، فإنما يكون ذلك عرضًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015