والعجب -كل العجب- من الأحكام التي أطلقها الدكتور عبد المجيد النجار في مقاله المشار إليه سابقًا، حيث اعتبر ان الشاطبي: "ينحو منحى التجزئة والتفصيل والتدقيق في بسط المقاصد" ليفسر بهذا، كون الشاطبي اقتصر في طرق إثبات المقاصد على المسالك الملائمة لهذا المنحى التجزيئي، قال: "فلما جاء إلى بيان مسالك الكشف عن المقاصد. كانت متجانسة في طبيعتها مع ما جعلت خلاصة له من عامة المبحث، فاتصفت بالجزئية في الغالب، من حيث اتجهت إلى رسم الطريق في البحث عن المقاصد في نطاق آحاد الأحكام، لا في نطاق المقاصد الكلية العامة، وهو ما يظهر بجلاء في المسالك الثلاثة الأخيرة".

والظاهر أن الدكتور النجار بنى مقاله عمومًا، والأحكام الواردة في هذه الفقرة خصوصًا، على مجرد خاتمة كتاب المقاصد؛ فعليها تنطبق -إلى حد ما- هذه الأحكام. وقد بينت في الصفحات السابقة أن مقاصد الشاطبي الجزئية لا تأتي إلا عرضًا. ولا أظن إلا أن الدكتور النجار قد قرأ كتاب المقاصد -على الأقل- ولكن لم يظهر أثر ذلك في هذا المقال، الذي أنصب على خاتمة الكتاب، فغاب عنه أهم مسالك المقاصد، بل غاب عنه حتى نوع المقاصد، التي تملأ كتاب الشاطبي. واستعراض عناوين الشاطبي1 وحدها، كاف لإدراك أن الرجل غير مشغول بالمقاصد الجزئية، وإنما همه الكليات، والمقاصد العامة. وإنما دخل الخلل على أحكام الدكتور النجار من إغفاله للاستقراء عند الشاطبي، بينما هو يقوم ويقعد به في كل نواحي الموافقات.

وقد رتب المقال على هذا الخلل مقارنات بين مسالك الشاطبي ومسالك ابن عاشور. وحسبي بيان الأساس الذي قامت عليه تلك المقارنات، أي أنها قائمة على إغفاله لمسلك الاستقراء عند الشاطبي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015