وبهذه الطريقة الاستقرائية تحدث عن إثبات حفظ الضروريات الخمس1: "الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال".
وفي مباحث الأوامر والنواهي من كتاب الأحكام، ذكر أن الأوامر والنواهي، يمكن أخذها على ظاهرها، ويمكن أخذها بالنظر إلى قصد الشارع فيها، حسبما يعطيه الاستقراء2.
وقد تقدم معنا -قبل قليل- أنه ثبت بالاستقراء أن ما كان خادمًا ومقويا لمقصود شرعي، فهو أيضًا مقصود للشارع، وإن بالقصد الثاني3.
وفي سياق محاربته للبدع، وتفنيده لمستندات المدافعين عنها -في كتابه "الاعتصام"- تطرق إلى القول بأن قاعدة المصالح المرسلة، لا دخل لها في مجال العبادات، وأن أحكام العبادات قائمة على التوقيف والتحكم الشرعي. ولإثبات هذا لجأ إلى استقراء عدد من أحكام العابدات التي لا يمكن إدخالها تحت النظر العقلي، والتعليل المصلحي. ثم قال: "إن في هذا الاستقرار معنى يعلم من مقاصد الشرع أنه قصد قصده، ونحا نحوه، واعتبر جهته، وهو أن ما كان من التكاليف من هذا القبيل، فإن قصد الشارع: أن يوقف عنده، ويعزل عنه النظر الاجتهادي جملة، وأن يوكل إلى واضعه ويسلم له فيه"4.
ثم قال أيضًا: "وبذلك كله يعلم من قصد الشارع أنه لم يكل شيئًا من التعبدات إلى آراء العباد. فلم يبق إلا الوقوف عندما حده"5.
وأحسب أن هذا القدر كاف لبيان مدى اعتماد الشاطبي على الاستقراء عمومًا، وفي إثبات المقاصد خصوصًا. وبه يتضح ما تقدم من الجزم بأن الاستقراء