ولعل أهم مسألة طبق فيها الاستقراء، وبين فيها كونه أهم مسلك لإثبات مقاصد الشريعة هي مسألة "كون الشارع قاصدًا للمحافظة على القواعد الثلاث: الضرورية، والحاجية، والتحسينية"1.

فالقول بقصد الشارع إلى حفظ هذه الكليات الكبرى، لا يكفي لإثباته الإتيان بنص أو بضعة نصوص -إن وجدت- تصرح بهذا القصد. فالقضية أكبر وأخطر من أن تثبت بدليل يمكن تطريق الاحتمال إليه، سواء في ثبوته، أو دلالته، أو سلامته من المعارض. فالقضية لا تحتمل الظن، ولا يقيمها إلا الدليل القطعي، لأنها أصل الأصول في الشريعة2.

فما هو المسلك القطعي إلى هذا؟

قال رحمه الله: "وإنما الدليل على المسألة ثابت على وجه آخر، هو روح المسألة. وذلك أن هذه القواعد الثلاث لا يرتاب في ثبوتها شرعًا أحد ممن ينتمي إلى الاجتهاد من أهل الشرع، وأن اعتبارها مقصودا للشارع.

ودليل ذلك: استقراء الشريعة، والنظر في أدلتها الكلية والجزئية وما انطوت عليه من هذه الأمور العامة، على حد الاستقراء المعنوي الذي لا يثبت بدليل خاص، بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض، مختلفة الأغراض، بحيث ينتظم من مجموعها أمر واحد تجتمع عليه تلك الأدلة، على حد ما ثبت عند العامة جود حاتم، وشجاعة علي رضي الله عنه، وما أشبه ذلك، فلم يعتمد الناس في إثبات قصد الشارع في هذه القواعد على دليل مخصوص، ولا على وجه مخصوص، بل حصل لهم ذلك من الظواهر والعمومات، والمطلقات والمقيدات، والجزئيات الخاصة، في أعيان مختلفة، ووقائع مختلفة، في كل باب من أبواب الفقه، وكل نوع من أنواعه، حتى ألفوا أدلة الشريعة كلها دائرة على الحفظ على تلك القواعد، هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من قرائن أحوال، منقولة وغير منقولة"3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015