الواجبة تتعدى مكان النجاسة. وقد تلزم الإنسان وهو على غاية النظافة. وقد يكون متسخًا ولا تجب عليه. والتيمم يقوم مقام الطهارة المائية، ولا معنى لذلك لولا التعبد. ومثل هذا يجري في كثير من أحكام العبادات، فالتعليل والمناسبة فيها استثناء.

واعتمادًا على هذا الأصل عنده -وهو عدم التعليل في العبادات إلا استثناء- اعتبر أن ما يقوم به بعضهم من إعطاء تعليلات وتعيين "حكم وأسرار" لبعض الأحكام العبادية، غير قائم على أساس. ولهذا لم يعده من "صلب العلم" وإنما هو من "ملح العلم" لا غير، فقد مثل لملح العلم بأمثلة: "أحدها: الحكم المستخرجة لما لا يعقل معناه، على الخصوص في التعبدات، كاختصاص الوضوء بالأعضاء المخصوصة والصلاة بتلك الهيئة من رفع اليدين والقيام والركوع والسجود، وكونها على بعض الهيئات دون بعض، واختصاص الصيام بالنهار دون الليل1، وتعيين أوقات الصلوات في تلك الأحيان المعينة دون ما سواها من أحيان الليل والنهار، واختصاص الحج بالأعمال المعلومة، وفي الأماكن المعروفة، وإلى مسجد مخصوص، إلى أشباه ذلك مما لا تهتدي العقول إليه بوجه، ولا تطور2 نحوه، فيأتي بعض الناس فيطرق3 إليه حكمًا يزعم أنها مقصود الشارع من تلك الأوضاع، وجميعها مبني على ظن وتخمين غير مطرد في بابه، ولا مبني عليه عمل4.

هذا هو مجمل موقف الشاطبي من مسألة التعليل. ويمكن تلخيصه -أكثر- في أنه يعتبر تعليل الشريعة برعاية المصالح، مسألة قطعية مسلمة. وأن هذا يصدق على جملتها وجزئياتها، بلا استثناء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015