إلا أن جانب العبادات -من الشريعة- ينبني على أساس التسليم والتعبد، بغض النظر عن العلل والحكم. فكان الأصل فيه عدم التعليل. وإن كان في باطن الأمر معللا عند الله تعالى.

وإذا كان الشق الأول لا غبار عليه، وسيزداد وضوحًا وانحسامًا خلال الصفحات القادمة، فإن الشق الثاني يحتاج إلى توقف ونظر.

وقبل ذلك، أشير إلى أن الشاطبي ليس وحده يرى أن الأصل في العبادات عدم التعليل، بل يقول بهذا الجمهور الغفير من العلماء، وهو كثيرا ما ينسب هذا الأصل إلى الإمام مالك1. وجعله المقري "شيخ الشاطبي" من أصول الإمام الشافعي، خلافًا لأبي حنيفة الذي يرى أن: "الأصل التعليل حتى يتعذر"2 ثم قال "والحق أن ما لا يعقل معناه، تلزم صورته وصفته" وأكد هذا في مواضع أخرى من قواعده، من ذلك قوله في القاعدة 296: "نصوص الزكاة في بيان الواجب3 غير معللة عند مالك ومحمد4، لأن الأصل في العبادات ملازمة أعيانها كما مر فالواجب أعيانها5. وقال النعمان6: معللة بالمالية الصالحة لإقامة حق الفقير.

فهل هذا الأصل سالم مسلم؟ أي: أن الأصل في العبادات أن تؤخذ على ظاهرها، وتطبق بحذافيرها دون نظر إلى مقاصدها وحكمها ومعانيها؟ وهل -حقا- عدم التعليل هو الغالب في أحكام العبادات، والتعليل شيء استثنائي؟

هذه المسائل وغيرها تحتاج إلى التوضيحات التالية:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015