وعلى هذا الأساس يمضي في كل أجزاء الموافقات، يقرر ويعيد -بعبارات جازمة- كون الأحكام الشرعية كلها، إنما هي لمصالح العباد. ومن ذلك أيضًا قوله في كتاب الأحكام: "والمعلوم من الشريعة أنها شرعت لمصالح العباد. فالتكليف كله إما لدرء مفسدة، وإما لجلب مصلحة، أو لهما معًا1.
ولاستكمال موقفه من مسألة التعليل لا بد من ذكر أنه كثيرا ما يفرق بين أحكام العادات والمعاملات، وأحكام العبادات، فالأصل في الأولى هو التعليل والالتفات إلى المصالح. والأصل في الثانية التعبد وعدم التعليل:
أما الأول، فتدل عليه أمور:
"أولها الاستقراء، فإنا وجدنا الشارع قاصدًا لمصالح العباد. والأحكام العادية2 تدور معها حيث دارت. فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة فإذا كان فيه مصلحة جاز3.
والثاني أن الشارع توسع في بيان العلل والحكم في تشريع باب العادات كما تقدم تمثيله. وأكثر ما علل فيها بالمناسب الذي إذا عرض على العقول تلقته بالقبول4.
-وأما الثاني- وهو أن الأصل في العبادات التعبد والتزام الحدود المنصوصة -فأول دليل له عليه: الاستقراء أيضًا5، بحيث إن الكثير جدا من أحكام العبادات، في كيفياتها ومقاديرها ومواقيتها وشروطها، لا يمكن تعليله تعليلا عقليا، وتحديد وجه المصلحة فيه؛ كما في موجبات الطهارة، وحدودها فإن الطهارة