وعلى أساس هذا المعنى الأصلي لمصطلح العلة، تفرع مصطلح "التعليل" بمعناه العام، وهو تعليل أحكام الشريعة بجلب المصالح ودرء المفاسد. والحقيقة أننا لو أردنا أن نضع لمصطلح التعليل مرادفًا واضحًا، يناسب موضوع المقاصد، ويبعد بنا عن الجدل الذي دار ذات يوم حول مسألة التعليل1، لكان هذا المرادف هو: مصطلح "التقصيد". لأن تعليل الأحكام -في حقيقته- هو تقصيد لها. أي تعيين لمقاصدها. فالتعليل يساوي التقصيد.

وقد استعمل الشاطبي مصطلح "تقصيد" مرة واحدة، وإن كان ذلك في سياق مختلف قليلًا عما نحن فيه. وذلك في نهاية الجزء الثالث من "الموافقات" وفي سياق التحذير من الجرأة على تفسير كلام الله وتحديد معانيه، بمجرد الرأي. لأن تفسير المفسر للقرآن هو: "تقصيد منه للمتكلم، والقرآن كلام الله. فهو يقول بلسان بيانه: هذا مراد الله من هذا الكلام. فليتثبت أن يسأله الله تعالى: من أين قلت عني هذا؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد. وإلا فمجرد الاحتمال يكفي، بأن يقول: يحتمل أن يكون المعنى كذا وكذا"2.

المقاصد والمعاني:

مصطلح "المعاني" -أو المعنى، في حالة الإفراد- هو أيضًا من الألفاظ التي كثيرًا ما يعبر بها عن المقاصد، وخاصة عند الفقهاء. فيقولون: شرع هذا الحكم لهذا المعنى، أو: المعنى المصلحي لهذا الحكم هو كذا.

وقد رأينا -قبل قليل- أن الشيخ ابن عاشور يقول في تعريف المقاصد: "وهي المعاني والحكم".

والتعبير عن المقاصد بالمعاني كثير عند الشاطبي، كما في قوله: "الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور أخرى، هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها"3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015