وهذا الاستعمال نجده عند الغزالي، كما في قوله: "وعلى الجملة: المفهوم من الصحابة اتباع المعاني، والاقتصار في درك المعاني على الرأي الغالب دون اشتراط درك اليقين"1.
وقبل الغزالي، نجد هذا المصطلح بكثافة، عند شيخه أبي المعالي الجويني "إمام الحرمين"، وخاصة في كتاب الاستدلاك من "البرهان"، وإن كان يلاحظ أن يستعمل مصطلح المعنى، والمعاني بمفهوم أوسع، بحيث يدخل فيه -على وجه التقريب- ما يسمى اليوم بالمبادئ والقيم، كما يطلق على المصالح بصفة عامة.
وقيل هؤلاء جميعًا، نجد الإمام الطبري يستعمل هذا المصطلح مرادفًا تمامًا للمقاصد، حيث حدد مقاصد الزكاة في مقصدين أساسيين، فقال: "والصواب من ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين، أحدهما: سد خلة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته"2. وسيأتي هذا النص بتمامه، في الفصل الأخير من هذا البحث إن شاء الله تعالى، مع توضيحه والتعليق عليه.
ويبدو من خلال هذه النماذج التي قدمت وغيرها أن التعبير بالمعنى والمعاني كان هو السائد عند المتقدمين، ثم زاحمته، وحلت محله شيئًا فشيئًا ألفاظ: العلة والحكمة، والمقصود.
ومما يؤكد هذا ما قاله فخر الإسلام البزدوي، ووضحه شارحه عبد العزيز البخاري.
قال البزدوي، وهو يعرف الفقه ويذكر أقسامه: "والقسم الثاني: إتقان المعرفة به، وهو معرفة النصوص بمعانيها"3.
قال الشارح: "والمراد من المعاني: المعاني اللغوية, والمعاني الشرعية، التي تسمى عللا. وكان السلف لا يستعملون لفظ العلة. وإنما يستعملون لفظ: المعنى، أخذا من قوله عليه السلام: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث "