الحقيقية، وسموا ما يترتب على الفعل من نفع أو ضرر حكمنة، مع اعترافهم بأنها العلة الحقيقية"1.
ولهذا نجد الشاطبي -وهو الميال إلى إحياء المعاني القديمة الأصلية- قد اختار أن يعرف العلة ويستعملها بمعناها الحقيقي الأصلي "في الاصطلاح"، فقال: "وأما العلة، فالمراد بها2: الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي فالمشقة3 علة في إباحة القصر والفطر في السفر4. والسفر هو السبب الموضوع سببًا للإباحة. فعلى الجملة: العلة هي المصلحة نفسها، أو المفسدة نفسها -لا مظنتها- كانت ظاهرة أو غير ظاهرة، منضبطة أو غير منضبطة. وكذلك نقول في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"5 فالغضب سبب6، وتشويش الخاطر عن استيفاء الحجج هو العلة7. على أنه قد يطلق هنا لفظ السبب على نفس العلة لارتباط ما بينهما. ولا مشاحة في الاصطلاح"8.
وهذا الذي صنعه الشاطبي من تفسير العلة بالمصلحة والمفسدة المقصودة بالحكم، فضلًا عن موافقته للاستعمال الأول، هو اللائق بأهل المقاصد. لأن البحث في المقاصد هو بحث في العلل الحقيقية، التي هي مقاصد الأحكام، بغض النظر عن كونها ظاهرة أو خفية، منضبطة أو متفلتة عن الانضباط. وأما الظهور والانضباط، فيحتاج إليهما عند إجراء الأقيسة الجزئية وعند تقديم الأحكام لعموم المكلفين.