ولعل هذا أيضًا، هو سر هذا القبول الواسع، الذي يحظى به الشاطبي اليوم، وبشكل متزايد.
على أن من المعالم المشعة -أيضًا- في حياة الشاطبي العلمية طريقته في التأليف، والتي تمتاز بأمرين، يعتبران امتداد لما تقدم، وهما:
1- التأني والتتبع على مدى طويل، قبل الإقدام على التأليف.
2- المشاورة في ذلك.
ففيما يخص تأليف "الموافقات" أشار إلى معاناته الطويلة في ذلك، ثم قال: "ولما بدا من مكنون السر ما بدا، ووفق الله الكريم لما شاء منه وهدى، لم أزل أقيد من أوابده، وأضم من شوارده، تفاصيل وجملا، وأسواق من شواهده في مصادر الحكم وموارده، مبينًا لا مجملا، معتمدًا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبينًا أصولها النقلية، بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة، في بيان مقاصد الكتاب والسنة.
ثم استخرت الله تعالى في نظم تلك الفرائد، وجمع تلك الفوائد، إلى تراجم تردها إلى أصولها، وتكون عونًا على تعقلها وتحصيلها. فانضمت إلى تراجم الأصول الفقهية، وانتظمت في أسلاكها السنية البهية، فصار كتابًا منحصرًا في خمسة أقسام"1.
ثم قال في آخر المقدمة: "وعند ذلك فحق على الناظر المتأمل، إذا وجد فيه نقصًا أن يكمل. وليحسن الظن بمن حالف الليالي والأيام، واستبدل التعب بالراحة، والسهر بالمنام، حتى أهدى إليه نتيجة عمره، ووهب له يتيمة دهره"2.
وفي قصة تأليفه لكتاب "الاعتصام" نجده يقول: "لم أزل أتتبع البدع التي نبه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذر منها.