ذكر الإيجيّ في كتابه «الأخلاق» أن للنفس الناطقة ثلاث قوى، هي:
1- قوة النطق (العاقلة) .
2- قوة الشهوة (البهيمية) .
3- قوة الغضب (السبعية) .
واعتدال هذه القوى فضائل، أما أطرافها فهي الرذائل، فاعتدال قوة النطق هو الحكمة وإفراطها الجريرة وتفريطها الغباوة (البلادة) ، أما قوة الشهوة فاعتدالها العفة، وإفراطها الفجور، وتفريطها الجحود، وأما قوة الغضب فاعتدالها الشجاعة، وإفراطها التهور، وتفريطها الجبن (?) ، هذا فيما يتعلق بالناحية الكمية.
أما من حيث الكيف فإن هذه الفضائل الثلاث أي الحكمة والعفة والشجاعة تتحول. إذا أسيء استخدامها إلى رذائل، وذلك كمن يتعلم الحكمة لمجاراة العلماء ولمماراة السفهاء، أو كمن يمارس الشجاعة للصيت أو الغنيمة (?) ، ومناط ذلك كله هو النية التي تصحب الفعل، لأن هذه الثلاث إنما تكون فضائل إذا لم يشبها غرض وصدرت بلا روية (?) .
تنقسم النفس الإنسانية- وفقا لأحوالها المختلفة- إلى ثلاثة أقسام، كما ذكرت في القرآن الكريم:
1- النفس الأمّارة، وهي التي تميل إلى الطبيعة البدنية وتأمر باللذات والشهوات الحسية واتباع الهوى، وهي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة. وهذه النفس هي التي توسوس لصاحبها وتحدثه بالآثام، قال تعالى: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (?) ، وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (?) ، وهي بذلك- كما قال ابن تيمية- أحد ثلاثة يستعاذ منها وهي:
النفس (الأمارة) ، وشياطين الجن، وشياطين الإنسان، وروي عن ابن جريج في تفسير قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (?) ، قال: هما وسواسان، فوسواس من الجنة وهو الخنّاس، ووسواس من نفس الإنسان (?) .
2- النفس اللّوّامة، وهي تلك التي تنورت بنور القلب عن سنة الغفلة، وكلما صدرت عنها سيئة بحكم جبلتها أخذت في اللوم والتعنيف، وحالت دون التمادي في العصيان، والتي تلومه كذلك على عدم الاستكثار في الخير، قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ* وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (?) .
3- النفس المطمئنة، وهي التي تمّ تنويرها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة، وهي تلك النفس التي تعتبر الحوادث الحياتية- خيرها وشرها- ابتلاء ومحنة، وهي تلك النموذج