الذي يسعى إليه الإنسان المسلم، وهي التعبير الصادق عن تلك الحالة التي لا يعرف فيها الفرد أمراض الشبهة والشك والشهوة والبغي وهي النموذج الأكمل للصحة النفسية التي تؤدي إلى الحياة الطيبة في الدنيا (?) وإلى الفوز والنعيم المقيم في الآخرة، قال تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي (?) .

صفات النفس الإنسانية:

إذا كان بعض العلماء قد تحدثوا عن أقسام للنفس الإنسانية، فإن ابن القيم في كتابه النادر «الروح» قد تحدث عن صفات لهذه النفس، وقد ناقش هذه المسألة باستفاضة عندما قال:

لقد وقع في كلام كثير من الناس أن لابن آدم ثلاث أنفس، نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة، وأن منهم من تغلب عليه هذه ومنهم من تغلب عليه الأخرى، ويحتجون على ذلك بقوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ وبقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ وبقوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ والتحقيق أنها نفس واحدة ولكن لها صفات فتسمّى باعتبار كل صفة باسم فتسمّى مطمئنة باعتبار طمأنينتها إلى ربها بعبوديته ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به والسكون إليه. فإن من سمة محبته وخوفه ورجائه قطع النظر عن محبة غيره وخوفه ورجائه، فيستغنى بمحبته عن حب ما سواه وبذكره عن ذكر ما سواه وبالشوق إليه وإلى لقائه عن الشوق إلى ما سواه، فالطمأنينة إلى الله سبحانه حقيقة ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه حتى كأنه جالس بين يديه يسمع به ويبصر به ويتحرّك به ويبطش به، فتسري تلك الطمأنينة في نفسه وقلبه ومفاصله وقواه الظاهرة والباطنة تجذب روحه إلى الله، ويلين جلده وقلبه ومفاصله إلى خدمته والتقرّب إليه، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلّا بالله وبذكره وهو كلامه الذي أنزله على رسوله كما قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ فإن طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه، وهذا لا يتأتّى بشيء سوى الله تعالى وذكره البتة، وأما ما عداه فالطمأنينة إليه غرور والثقة به عجز قضى الله سبحانه وتعالى قضاء لا مرد له أن من اطمأن إلى شيء سواه أتاه القلق والانزعاج والاضطراب من جهته كائنا من كان، بل لو اطمأن العبد إلى علمه وحاله وعمله سلب ذلك كله، وقد جعل سبحانه أغراض نفوس المطمئنين إلى سواه محبطة بسهام البلاء ليعلم عباده وأولياؤه أن المتعلق بغيره مقطوع والمطمئن إلى سواه عن مصالحه ومقاصده مصدود وممنوع (?) . ثم تحدث- رحمه الله تعالى- عن هذه الصفات المختلفة للنفس وهي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015