أمّا سائر الأنبياء والمرسلين، فيصلّى عليهم ويسلّم، قال تعالى عن نوح- عليه السّلام-: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ* إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (?) . وقال عن إبراهيم خليله: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (?) . وقال في موسى وهارون: وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (?) . وقال تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (?) . فالّذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السّلام عليهم المذكور.
وقد قال جماعة من المفسّرين، منهم مجاهد وغيره: وتركنا عليهم في الآخرين: الثّناء الحسن، ولسان الصّدق للأنبياء كلّهم، وهذا قول قتادة أيضا ولا ينبغي أن يحكى هذا قولين للمفسّرين، كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال. بل هما قول واحد، فمن قال: إنّ المتروك هو السّلام عليهم في الآخرين نفسه، فلا ريب أنّ قوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ جملة في موضع نصب ب «تركنا» والمعنى: أنّ العالمين يسلّمون على نوح ومن بعده من الأنبياء، ومن فسّره بلسان الصّدق والثّناء الحسن، نظر إلى لازم السّلام وموجبه، وهو الثّناء عليهم وما جعل لهم من لسان الصّدق الّذي لأجله إذا ذكروا، سلّم عليهم.
وأمّا الصّلاة عليهم، فقد حكى غير واحد الإجماع على أنّ الصّلاة على جميع النّبيّين مشروعة منهم الشّيخ محيي الدّين النّوويّ- رحمه الله- وغيره، وقد حكي عن مالك رواية أنّه لا يصلّي على غير نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، ولكن قال أصحابه: هي مؤوّلة بمعنى أنّا لم نتعبّد بالصّلاة على غيره من الأنبياء، كما تعبّدنا الله بالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم.
وأمّا من سوى الأنبياء، فإنّ آل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي عليهم بغير خلاف بين الأمّة.
واختلف موجبو الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجوبها على آله على قولين مشهورين لهم.