وفي «المسند» و «صحيح أبي حاتم» وغيره من حديث أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» (?) يعني الزموها وتعلّقوا بها، فالجلال والإكرام: هو الحمد والمجد، ونظير هذا قوله: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (?) . وقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (?) . وقوله تعالى: وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (?) . وقوله:

وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (?) . وهو كثير في القرآن. وفي الحديث الصّحيح حديث دعاء الكرب «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» (?) . فذكر هذين الاسمين «الحميد المجيد» عقيب كلّ الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله مطابق لقوله تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (?) .

ولمّا كانت الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي ثناء الله تعالى عليه وتكريمه، والتّنويه به، ورفع ذكره، وزيادة حبّه، وتقريبه، كما تقدّم، كانت مشتملة على الحمد والمجد، فكأنّ المصلّي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده، فإنّ الصّلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد، هذا حقيقتها، فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له، وهما اسما الحميد والمجيد. فلمّا كان المطلوب للرّسول صلّى الله عليه وسلّم حمدا ومجدا بصلاة الله عليه، ختم هذا السّؤال باسمي «الحميد والمجيد» وأيضا فإنّه لمّا كان المطلوب للرّسول صلّى الله عليه وسلّم حمدا ومجدا، وكان ذلك حاصلا له، ختم ذلك بالإخبار عن ثبوت ذينك الوصفين للرّبّ بطريق الأولى، إذ كلّ كمال في العبد غير مستلزم للنّقص، فالرّبّ أحقّ به.

وأيضا فإنّه لمّا طلب للرّسول حمدا ومجدا بالصّلاة عليه، وذلك يستلزم الثّناء عليه، ختم هذا المطلوب بالثّناء على مرسله بالحمد والمجد، فيكون هذا الدّعاء متضمّنا لطلب الحمد والمجد للرّسول صلّى الله عليه وسلّم والإخبار عن ثبوته للرّبّ سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015