هذا الاسم (إبراهيم) بالسّريانيّة معناه: «أب رحيم» والله سبحانه جعل إبراهيم الأب الثّالث للعالم، فإنّ أبانا الأوّل آدم، والأب الثّاني نوح، وأهل الأرض كلّهم من ذرّيّته، كما قال تعالى: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (?) .
وبهذا يتبيّن كذب المفترين من العجم الذّين يزعمون أنّهم لا يعرفون نوحا ولا ولده، ولا ينسبون إليه، وينسبون ملوكهم من آدم إليهم، ولا يذكرون نوحا في أنسابهم، وقد أكذبهم الله عزّ وجلّ في ذلك.
فالأب الثّالث أبو الآباء، وعمود العالم، وإمام الحنفاء الّذي اتّخذه الله سبحانه وتعالى خليلا، وجعل النّبوّة والكتاب في ذرّيّته، ذلك خليل الرّحمن وشيخ الأنبياء كما سمّاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فإنّه لمّا دخل الكعبة، وجد المشركين قد صوّروا فيها صورته وصورة إسماعيل ابنه وهما يستقسمان بالأزلام، فقال: «قاتلهم الله، لقد علموا أنّ شيخنا لم يكن يستقسم بالأزلام» (?) . ولم يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يتّبع ملّة أحد من الأنبياء غيره فقال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (?) . وأمر أمّته بذلك فقال تعالى: هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ (?) . و «ملّة» منصوب على إضمار فعل، أي: اتّبعوه والزموا ملّة أبيكم. ودلّ على المحذوف ما تقدّم من قوله: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ (?) .
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوصي أصحابه إذا أصبحوا وإذا أمسوا أن يقولوا: «أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص، ودين نبيّنا محمّد وملّة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين» (?) .
فتأمّل هذه الألفاظ كيف جعل الفطرة للإسلام، فإنّه فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها، وكلمة الإخلاص:
هي شهادة أن لا إله إلّا الله تعالى والملّة لإبراهيم فإنّه صاحب الملّة: وهي التّوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، ومحبّته فوق كلّ محبّة، والدّين للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو دينه الكامل وشرعه التّامّ الجامع لذلك كلّه، وسمّاه الله سبحانه «إماما» و «أمّة» و «قانتا» و «حنيفا» . قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ