وأمّا الذّرّيّة فالكلام فيها في مسألتين:
المسألة الأولى: في لفظها، وفيها ثلاثة أقوال: أصحّها:
أنّها من ذرأ الله الخلق، أي نشرهم وأظهرهم إلّا أنّهم تركوا همزها استثقالا، فأصلها «ذرّيئة» بالهمز فعّيلة من الذّرء، وهذا اختيار صاحب «الصّحاح» وغيره (?) .
المسألة الثّانية: في هذه اللّفظة:
لا خلاف بين أهل اللّغة أنّ الذّرّيّة تقال على الأولاد الصّغار وعلى الكبار أيضا. قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي (?) . وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (?) . وقال تعالى:
وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (?) . وقال تعالى: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا* ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (?) .
وهل تقال الذّرّيّة على الآباء؟ فيه قولان: أحدهما: أنّهم يسمّون ذرّيّة أيضا.
وأنكر ذلك جماعة من أهل اللّغة، وقالوا: لا يجوز هذا في اللّغة، والذّرّيّة كالنّسل والعقب، لا تكون إلّا للعمود الأسفل، ولهذا قال تعالى: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ. فذكر جهات النّسب الثّلاث من فوق، ومن أسفل، ومن الأطراف.
قال المؤلّف- رحمه الله-: إذا ثبت هذا، فالذّرّيّة: الأولاد وأولادهم، وهل يدخل فيها أولاد البنات؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد، إحداهما: يدخلون وهو مذهب الشّافعيّ، والثّانية: لا يدخلون وهو مذهب أبي حنيفة. ثمّ ذكر أدلّة القولين.