لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا* وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا* كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً* ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (?) .
إن المتأمل في هذه الآيات القرآنية يدرك غاية القرآن وتركيزه الشديد على بناء الشخصية الإسلامية على أساس من القيم الأخلاقية الرفيعة تركيزا يبتديء من تصحيح العقائد وتطهير النفوس من درن الشرك والجاهلية والتحلي بالعلم الصحيح وتنظيم العلائق الاجتماعية والهداية إلى السداد من القول والعمل.
وهكذا يتجلى القرآن العظيم إرشادا لمحجة وتبصرة لعبرة وتذكرة لمعرفة وإرشادا من غي وبصيرة من عمى وحثّا على تقى وحياة للقلب وغذاء للروح ودواء وشفاء وعصمة ونجاة.
نعم إن إدامة النظر وإطالة التدبر في هذا القرآن العظيم تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغايتهما وثمراتهما ومآل أهلهما وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه. هذا عن القرآن.
أما نبي الإسلام محمد صلّى الله عليه وسلّم فمن المعلوم كل العلم أن أي حياة فاضلة لابد لها من رائد كما أن الأحياء الأتقياء لا غنى لهم عن أسوة وقائد. ومن غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رائد للحياة وقائد للأحياء؟ إنه الموجه إلى الخير الهادي إلى البر الداعي إلى أكرم طريق، هو الرائد الأمين والمبلغ المبين والبشير النذير والسراج المنير، جاء بالدين الحق والإسلام الخاتم والشريعة الخالدة لتنظيم أمر الحياة والأحياء انتظاما كاملا ولضبط العلائق فيما بينهم أفرادا وجماعات وحكاما ومحكومين.
إن الدين الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم عقيدة استعلاء من أخص خصائصها أنها تبعث في روح المؤمن إحساس العزة من غير كبر وعلو الهمة من غير بطر وروح الثقة في غير اغترار وشعورا بالأمان والاطمئنان من غير تواكل.
دين يشعر أتباعه بالمسئولية الملقاة على عواتقهم وتبعة الأمانة في الاستقامة على الحق والدعوة إليه في المشارق والمغارب.
لقد جاء محمد صلّى الله عليه وسلّم بدين الإسلام من عند ربه الذي رضيه وأكمله وأتم به نعمته الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (?) .
وبكماله وتمامه بلغه صلّى الله عليه وسلّم إلى الأحمر والأسود وعلمه أصحابه لتلاميذهم من التابعين في أرجاء الأرض وأقطارها قرنا فقرنا فتلقاه العربي والأعجمي والقريب والبعيد فعرفوا فيه نظام الحياة المتكامل الجامع بين العدل